صفحات المدوّنة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، يناير 05، 2014

أبو طويلة


اليوم المائتان وأربعة وعشرون، بلغت من الطول أربعة وعشرين ألف كيلو متراً، أي بارتفاع أربعة من جبال الهيمالايا ..ـ

أبي العزيز، لن أسامحك أبداً، لن أغفر لك كونك بعتني للأمريكان مقابل جرين كارد ومليار دولار، صحيح أنهم أعطوني الجرين كارد أيضاً، ويعملون الآن على بناء فيلا كبيرة جداً من أجلي، ووضعوا في حسابي ضعفي هذا الرقم، وعلى الرغم من أنهم يعتنون بي الآن جيداً، بدايةً من الأساسيات: الأكل، الشرب، الذهاب إلى الحمام –بما يتناسب مع طولي- ونهايةً بإمكانية مشاهدة أي قناة على كوكب الأرض كما يحلو لي (قاموا بتصميم قناتين تعمل من أجلي خصيصاً، واحدة تذيع أفضل مباريات كرة القدم على مر التاريخ، والأخرى تبث ما يُعرض في السينمات قبل نزولها لدور العرض)، وجهاز خاص للتواصل مع الآخرين من خلال الإنترنت؛ حيث أقضي أغلب الوقت على صفحتي على فايسبوك، والتي أصبحت بفعل ما حدث لي من أشهر الصفحات على الإطلاق، إلا أنني أشعر بالملل، الوحدة، الرغبة في ترك هذا كله، لأنني، في نهاية الأمر، محشور داخل كبسولة حقيرة ضيقة، ومجموعة من غريبي الأطوار يقومون بأبحاثهم، يعتقدون أنني التطوّر الجديد للبشرية، بينما يعتقد بعضهم أنها حالة طبية نادرة، ستنتهي إلى اللاشيء.ـ

***

اليوم المائة وستة وثمانون، بلغت من الطول ستمائة قدم، الأهرامات بالنسبة لي كقطع من الليغو ..ـ

أبي العزيز، أرجو أن تسامحني على ما حدث، كنت أعتقد أن قراري هذا هو الحل الأنسب، لكنني لم أعرف أنه سينكشف أمري بهذه السرعة. البلد في حالة ذعر يا أبي، لا أحد –حتى أنا- يستوعب ما أصبحت عليه وما أنا مقبل عليه، أمي سريعة التأثر يا أبي، قل لها ألا تصدق ما يقولونه على التلفاز، السلطة تريد من الجميع أن يكرهني بحجة أنني أصبحت تهديداً للأمن القومي، وأنت تعرف أنني لا أستطيع تهديد العيال في الشارع. قل لها ألا تصدق علماء الدين، صحيح أنني لست منتظماً في الصلاة، لكن لم أصل لدرجة المسيخ الدجال كما أشاعوا !. أكتب لك هذه الكلمات وأنا أرى قطيعاً كبير من العربات المصفحة والدبابات والطائرات الهليكوبتر يتقدم نحوي، حتماً سيضربونني بكل ما يحملون من ذخيرة، وأنا لا أعلم، هل يتضمن طولي هذا قوةً خارقة تصمد أمام الرصاص والذخيرة الحيّة كفيلم الرجل الأخضر، أم سأُقتَل من أول رصاصة مسدس عيار تسعة، أود أن أسألهم ماذا سيفعلون بي بعد التخلص مني، هل حقاً سيستطيعون دفن جثة بهذا الحجم؟. فقط أود أن أقول في تلك اللحظات أنني أحبكما جداً، وأنني مشتاق لرؤيتكما جداً، وأن ما حدث لي، ليس سببه العلاقة المضطربة بيني وبينك. تحياتي

***

اليوم الرابع والثمانون، بلغت من الطول سبعة أمتار ونصف ..ـ
أبي العزيز، إذا كنت تقرأ هذه الكلمات، فأنا الآن أكون قد هربت من البيت. أعلم أنك وأمي قد بذلتما مجهوداً خرافياً طيلة الشهور الماضية في الدوخة وراء الدكاترة والشيوخ والدجالين، لكنني لم أعد أحتمل كلام الناس، ونظرات أمي المشفقة، ورغبتك في شنقي بخرطوم الغسّالة، خسرت وظيفتي، الفتاة التي أحلم بالزواج منها. العيال في الشارع يطلقون عليّ "أبو طويلة". لم أعد أستطع ركوب المواصلات، النوم على سريري، استخدام الحمام بسهولة، الأكل. البيت لم يعد يتحمّل طولي الآخذ في الازدياد بتسارعٍ لا يتوّقف، علي الخروج من القاهرة قبل حدوث الكارثة. أسمع ما يعانيه إخوتي بسببي، وبكاء أمي طيلة الليل، أخشى أن تدخل في غيبوبة، أو يصيبها هبوط حاد في الدورة الدموية. لا تبحث عني، قل للجميع أنني اختفيت فجأة، لا تخبر أحد عن ذلك الخطاب، سوف أراسلك عندما أجد حلاً لحالتي. تحياتي

***

اليوم الأول .. طولي زاد عشرين سنتي-متراً دفعةً واحدة!ـ

قالت أمي: [ياحبيبي طبيعي ما حدث، عائلة أبوك معروفة بجينات الطول، كنت عايز تطول ازاي يعني؟]، أبي اكتفى على العشاء بقوله: [إنت طولت إمتى يلا؟]. أشعر أن شيئاً ما غريباً يحدث لي، بحثت على الإنترنت، سألت بعد أصدقائي، لكنني لم أجد شيئاً يتعلّق بمرض أو تعويذة، الجميع متناقض بشكل ملحوظ، يستغرب ما حدث لي، وبعد القليل من الوقت يرى أنه شيء طبيعي

***

اليوم المائتان وإثنان وخمسون ..ـ

الأمر خرج عن سيطرة الأمريكان، صرخت كثيراً اليوم، لم أتألم هكذا من قبل.ـ

الغرفة مظلمة، الجو بارد، وكل شيء هنا كبير جداً. انتهت الزيارات، بعضهم جاء بالورود، بعضهم تطلّع إلي ببله، وبعضهم حملني بلطف، مع كلمات على نحو [جميل شبه أبوه] ، [ما شاء الله، ايه الحلاوة ديه]، [هاتسموه ايه؟]، بين الجميع اثنان، فهمت من سياق الحديث أنهما أبي وأمي.ـ  




محمد عمر
ديسمبر 2013

فادية


محاولة للنوم، لم يغلبها البرد، ولا الهواجس التي تأتي لأرملة في الرابعة والخمسين تجلس وحدها في شقة إيجار قديم. بل صوت الهاتف المزعج، مضطرة لسماعه، لأنه أولاً قلّما ما يرن، ولأنها ثانياً الرنّة الوحيدة ذات الصوت العالي حيث أستطيع سماعه –قلما- يرّن. نسيته في الصالة، ككل ليلة. أي عاقل سيقول أنني لن أغامر بمغادرة اللحاف، لكنها "أنيسة"، أختي التي تصغرني بعام، أعلم أنها لن تكف عن إعادة الإتصال إن شاء الله لبُكرة الصبح، وكما تقول الحكمة: في البداية يتجاهلونك، بلا بلا بلا ، وفي النهاية تنتصر ..ـ

ـ" ألو .. أيوة يا أنيسة .. عاملة جمعية .. اخلصي عايزة ايه ف البرد ده؟ .. كنت بوّلع نار في الصالة .. كنت بنام طبعاً .. لا يا ستي .. ما خلاص قمت .. ارغي ارغي .. سامعاكي .."ـ

رغي رغي ، ساعة إلا ثلث، قررت تدفئة نفسي أثناء ذلك بالتمشية في أرجاء الشقة، بالصدفة وجدت باب الثلاجة مفتوحاً فأغلقته، باب الحمام بالمرة، يمرّر هواء بارد من المنوَر. حاولت إغلاق فمها بالمرة لكنني لم أفلح، طيّرت النوم من عيني بسبب حكاية اللحاف اللعينة ..ـ

"وانت ايه اللي يخليكي تروحي بيه لأمك؟"

ـ" أهو اللي حصل، قالتلي حلو اللحاف ده يا أنيسة، ورهولي كدة، والنبي حلو، وبيدفي، ماتدهولي يا بنت ده أمك متبهدلة في البرد، السنة ديه شديد أوي، ما تقولي حاجة يا حسنية، واللي تتشك ف بطنها قالت: مايغلاش عليكي يا أما، وقعدت تضحك"ـ

"وماخدتيش تمنه؟"

ـ"تمن مين يا تمن، بدل ما تطلع خمسين جينيه م الفلوس اللي كانزاهم على قلبها، إديتني البطانية القديمة اللي عندها جوا، وأختك تقولها بس البطانية أتقل وأغلى ياما، تغيظني أكتر وتقولها: يلا مش مشكلة، مش هاخد منك فرق"ـ

فطست من الضحك، قلت لها ربنا يعوّض عليكي، ويجعلها في ميزان حسناتك، واشترِ لحاف آخر. انتهت المكالمة، وأي محاولة للنوم الآن بدون إبريق من الكاموميل ستبوء حتماً بفشل محقق .. المهم أني عرفت إن أنيسة لن تشتري لحاف آخر قبل الشتاء القادم، بينما تنعم أمي في دفء جاء إليها بدون تخطيط، رزق، كالمال، والنوم.ـ

"خير يا أمّا ! .. بتكلميني ليه الساعة ديه؟ .. حصل حاجة كفا الله الشر؟ .. أنيسة! .. مالها؟ ..ـ "

ـ"أبداً، أختك جاتلي النهاردة، وكانت شاريه لحاف، ولما بصيت عليه وقولتلها حلو، ينفع ف البرد اللي احنا فيه، قالتلي والله مانتي مرجّعاه، قولتلها لا يا بنتي، انا عندي بطانية أتقل منها، وبعدين اللحاف ده شكله غالي، حسنية أختك قالتلي مايغلاش عليكي يا أما، وبعدين أنيسة هاتاخد البطانية ومش هاتاخد منك فرق، تفتكري تكون زعلت ؟"ـ

ـ"لا ياما، هاتزعل ليه يعني؟، ده حتة لحاف بخمسين جنيه .. ايه اللي عرفت منين؟ .. ااه ، ما هي اللحفة اللي نازلة ف السوق دلوقتي كلها ف الحدود ديه يعني .. أنيسة أكتر واحدة ف بناتك بتحبك، وأكيد فرحانة إنك خدتيه يعني .. ااه .. أكيد .. وأحمد .. بيشتغل وعلى قلبه قد كدة .. وارث البخل عن أمه .. بس مش هايستخسر لحاف ف عياله يعني .. أهو احنا مش عايزين غير الدعوتين دول ياما .. ويرضى عنك .. وإنتي من أهله".ـ


محمد عمر
ديسمبر 2013

سيدي البطرني

تحب أن تراني أزورها وأسلم عليها، كما تحب أن يزروها أبنائها وبناتها كل أسبوع وألا ينقطع عنها أحد، رغم ذلك، تحب ابنها محمد أكثر من أي شيء في الدنيا، ابنها محمد لا يزورها أبداً، فقط يتصل بها في الشهر مرة أو مرتين ويعدها بأن يأتي، لكنه لا يأتي.ـ

-          " الله، ايه ريحة البخور الحلوة ديه يا أمي؟"
-          " ديه بركة سيدي البطرني يابني"

أميل بوجهي ناحية خطيبتي وأسألها (مين سيدي البطرني ده؟)، فتزغر لي بعينها كي لا أسترسل في الكلام، وأنهي هذه الفقرة سريعاً، فقرة الحاجة حسينة، أم الحاجة فاطمة، حماتي. كل أسبوع، ومع زيارتي لخطيبتي، يذهب كلانا لها مع حماتي، نجلس خمس دقائق على الأكثر كي أسلم عليها، ثم نتركها وحماتي ونتمشى قليلاً إلى صخرة كبيرة على شاطيء البحر بين مجموعة من البنايات القديمة. البحر مظلم موحش، لكن الشارع بسيارات النقل الكبيرة التي تمر به، الإنارة البرتقالية التي تأتي من عمدان نور عمرها من عمر أجدادي، والمحلات والورش التي يجلس أصحابها أمامها في كراسي بلاستيك يتناولون الشيشة أو سيرة الناس والبلد تضيف جو ونس فوق الونس الذي يشعر به كلانا مع الآخر في تلك اللحظات الجميلة، التي نترك فيها ظهرنا للعالم كله، ونحدّق في الفراغ، ننظر إلى بعضنا البعض، نبتسم، ثم نعود ونطيل في التحديق، والصمت.ـ

-          "مين سيدي البطرني ده؟"
-          "ده ولي من أولياء الله، كان ليه مقام ف بحري، أيام ماكانت تيتة عايشة هناك"
-          "ولي ايه بس، ومقام ايه، انتي بتصدقي ف الحاجات ديه؟"
-          "لا طبعاً، بس أقولك، ماما حكتلي عن إن المقام ده حتة أرض بين العمارات، أرض واسعة يعني، وعليها باب .."
-          "مش جامع يعني و .."
-          " بطل بتقاطعني .. أكمل الأول .. الأرض الواسعة ديه كان في واحد عايز يهد الباب اللي عليها ده فجاب جرار والناس اتلمت، أم ايه؟ .. ايده اتشلت"
-          "لا والله!"
-          "اه والله، زي ما بقولك كدة، ايده اتشلت، وأهله أصلاً أغنيا يعني، سفروه برة عشان يتعالج ولا أي نتيجة"
-          "امم، طيب م ممكن يكون لأي سبب تاني يعني"
-          "يعني السبب مش لاقي مكان ولا وقت غير عند مقام الراجل! .. المهم .. الناس بقى هللت .. وعملوه من يومها مقام"
-          "وايه حكاية البخور ديه؟"
-          "معرفش، بس تيتة عندها واحة صاحبتها على طول تتصل بيها، وتحكيلها انها شافتها ف المنام وهي قاعدة مع سيدي البطرني، فهي بتحبه وبتتبارك بيه"
-          "وصاحبتها ديه ايه؟"
-          "عادي، واحدة عادية، أبوها كان إمام جامع، بس هي زينا يعني"


الحاجة حسينة –ما شاء الله- ربنا مبارك لها في عمرها، زوجها مات، وإثنين من أولادها ماتوا، وأنا تزوّجت من حفيدتها، ويبدو بهذه الطريقة أنها سترى أولاد أحفادها، وهي صحتها أجمد منّا جميعاً، حتى الحاج أحمد صبيح المؤذن، والذي يقاربها في العمر، مات هو الآخر، الله يرحمه ويحسن إليه، كان كل جمعة يبخّر المسجد الذي أصلّي فيه قبل أن أذهب إلى خطيبتي من الصباح الباكر ويجعل رائحته ترّد الروح، وبعد الصلاة يبخّر شقته، كان مركّب شفّاط كبير في مطبخ الشقة؛ فكان يأخذ البخور وينقله إلى الشقة الملاصقة له. ألف رحمة ونور عليه.ـ



كتبها:ـ
محمد عمر
أكتوبر - 2013

الخميس، أكتوبر 03، 2013

دعوة زفاف

-         ما لكِ يا بنتِ؟
-         لا شيء.
-         ماذا تحملين في يدك؟
-         اكتشفي بنفسك.
يرّن جرس الهاتف ..

-         ألو، سلمى، حمداً لله على سلامتك، أيوة يا بنتي أسمعكِ، متى رجعتي؟، فيكي الخير والله .. أنا؟، الحمد لله وأنتِ؟. أتيتي في وقتك .. إيه؟ .. أحكي لك، إسمعي، إسمعي:
"الولّية الهابلة قطعت كل تلك المسافة، وصعدت إحدى عشر دوراً كي تعطيني "دعوة" لحضور زفاف ابنها ثم رحلت. ابنها الصايع ابن الصايع. كان قد تقدّم لخطبتي منذ شهور، اه والله .. أمين، إسمه أمين، لم أحكي لكِ، ما انتي كنتي مسافرة يا بنتي .. لا لم لم أوافق عليه رغم محاولات أمي وخالاتي لقبوله، هم يعلمون جيداً أنني حتى لو قبلته لن تستمر خطبتنا لثلاثة شهور على بعضهم، حكايته وحكاية أمه الحي كله يعرفها. لماذا؟ ، أنا سأقول لكِ: وجهة نظرهم يا ستي أن الخطبة ستفكّ النحس، خطوبة مفسوخة خير من وقف الحال هذا، إثنين وثلاثين عاماً، ولم يتقدّم لي أحد .. طبعاً تفكير متخلف .. وبلد متخلفة .. أنا لست متضايقة مثلهم .. لكنني لن أتحمل هذا الضغط كثيراً .. لماذا لا يلتفتون إلى حياتهم وحياة أخواتي الإثنين .. عندهم مشاكل الدنيا كلها مع أزواجهم وأهالي أزواجهم .. لماذا لا يتركوني في حالي لا أعلم .. المهم نرجع لأم أمين .. "

-         يا سارة
-         ثواني يا أمي، أتكلم مع سلمى ..
"معي يا سلمى، فاضية أم أحكي لكِ في وقت آخر؟ .. هاصدعك لكن اعذريني، أنا مفقوعة! .. أم أمين كانت متزوجة من الحاج أحمد صاحب المخبز أول الحي، مشكلتها معه أنه كان لا يصلي، حاولت أن تنصحه كثيراً لكن بلا فائدة، طلبت الطلاق، طلقها، رجعت لبيت أهلها، أخذت ابنها معها، أشاروا عليها بالشيخ رؤوف، إمام مسجد الرحمن الرحيم، زوجة ثانية، لا يهم، المهم إنه ابن حلال مصفّي، ويصلي، سيحمل من عليها همّ تربية أمين، أمين بقى يا ستي، طلع لأبيه، كانت تناديه كي يصلي معها، فيجيب من داخل غرفته: (الله أكبر)، أربع سنين، وأمين يعمل الطفل الوديع أمام أمه، وفي الشارع حشّاش وصايع. الشارع كله بدأ يتكلم عن صياعة ابن الشيخ رؤوف، والمشايخ ضغطوا عليه، كانوا ثلاثة أيام سواد علينا في البيت لما أم أمين باتت عندنا بعدما الشيخ رؤوف تعارك معها، ورمى عليها يمين طلاق ثلاثة، الأيام دارت ورجعت للحاج أحمد، في يوم نادت على الولد الذي قال (الله أكبر) ثم دخلت الغرفة، فوجدته نائم على السرير ويقول: (الله أكبر، سمع الله لمن حمده ..)، يومها الحي كله سمع صويتها ولطمها، أيقنت إن ابنها صايع ابن صايع، ليلتها أغمي عليها، وباتت في المستوصف، جميعنا قلنا أنها لن تنجو، ولو نجت، فلن يبيت أمين في البيت. ومرت الأيام .. والولد تزداد حالته سوءاً، أنا أعرف ذلك دوناً عن الجميع لأن زميلتي تعمل بالصيدلية التي تجاورنا، وزميلها مظبّط أمين ترامادول، لكنها تتكتم على ما يفعله زميلها حتى لا يطرده صاحب الصيدلية، الدكتور عبد الله، في الحقيقة زميلها وعدها بالزواج، وهي تمنّي نفسها بأي أحد حتى تخلص من أهلها الذين يكبلون حريتها بغباء"

-         يا سارة
-         حاضر يا أمي
-         طيب سلمى، سأذهب الآن وأكلمك بعد قليل، أو كلميني عندما تستريحي من السفر، دعوة الزفاف؟، اه، ما أمه عاشت، وتعايشت، وبحثت له في الحي كله عن عروسة، كنت منهم، إلى أن وجدت له عروسة من بحري، سنكوحة مثله، واتخطبا لستة أشهر، استعجلوا الزواج، والفرح يوم الخميس القادم، وأمه تحسب أنها تغيظني بالدعوة، عالم متخلفة! .. عامةً حمداً لله على سلامتك، سلام.

سارة أسرعت إلى المطبخ، أمام الغرفة، في الطرقة الممتدة، على الأرض، كانت الدعوة. أمسكت بها، تأملت النقش الأصفر قبل أن تقطعها إلى نصفين، والنصفين إلى نصفين، حولتهم إلى كومة من القصاقيص الصغيرة، إثنين وثلاثين قصيصة، كومّتهم داخل يدها وهي تجزّ على أسنانها، كادت أن تكسرهم جميعاً ..

-         سارة

-         أيوة يا أمي، أيوة. 


كتبها:
محمد عمر
أكتوبر 2013

الجمعة، مايو 03، 2013

تراويح


انتهينا من الإفطار سريعاً، ثم جلسنا بالشرفة نشرب الشاي بالنعناع. هي مناسبة بدءت منذ خمس سنين، لا أستطيع الفرار منها، لقرب صديقي عزّت من قلبي. الشرفة صغيرة ، بالكاد تتسع إلى شخصين، وفي وجودي، تتسع إلى ثلاثة أشخاص، أنا وعزّت وزوجته. هي تعدّ طبق البامية الذي أحبه ، كما يقول الكتاب، وأنا لا أستطيع مقاومة تلك الغواية، كما أنني بالكاد أجيد عمل كوب شاي، مع بعض الأعراض الجانبية؛ كإحراق البّراد، استعمال الملح سهواً بديلاً عن السكّر ، نسيان أنه ليس بالبيت شاي أصلاً بعد سكب الماء المغلّي بالكوب.

الشرفة تطل على مسجد "عباد الرحمن" ، هه ، زمن ، من قال أن الحال يتغير؟. قبل زيارتي لتلك الشرفة أوّل مرة بعشرين سنة ، كنت هنا ، أصلّي مع أبي التراويح ، وكان أبي يؤّم المصلّين للمرة الأولى والأخيرة.
كانا صفّين على الأكثر في العشر الأوَل، ثم سبعة أشخاص منهم أنا وأبي وعمّ سعد المؤذن بقية الشهر ، وكنت كلما وقفت خلف أبي ، أشار عمّ سعد إليّ ، يدفع جسدي الصغير بكلتا يديه برفقٍ اختلط مع ابتسامة جميلة وتبريقة مخيفة لأتوّجه إلى الخلف. يقول عمّ سعد أن الصغار يجب أن يتركوا للكبار الفرصة كي يتقدموا الصفوف. الكبار كانوا يأتون متأخرين يا عمّ سعد، لكنني كنت أخشاه، وأخشى أن يؤنبني أبي على ذلك.

أبي ليس من ذوي الصوت الجميل، لكنه يقرء بهدوءٍ ووقار يحمل في كينونته خشوعاً بسيطاً مميزاً، يجعلني أركّز في الصلاة. لم يكن هذا الخشوع هو الذي حمل عمّ سعد على تقديم أبي إلى الإمامة، لكنه لاحظ مظهره، وانتهز فرصة دخول أبي المرحاض، فأشار إليّ، وسألني لمّا اقتربت "هو بابا بيشتغل إيه يا حبيبي؟"، قلت: "دكتور أسنان".

ما أذكره على وجه التحديد كيف كان الناس يحتفون بي، ويقبل الواحد منهم بين الركعتين قائلاً: "ربنا يفتح عليك يابني"، ثم يرمق عمّ سعد بنظرة غاضبة، وينصرف. أمّي كانت تنهرني بشدّة لما أفعله. وماذا فعلت؟، كان أبي يخطيء في القراءة، وكنت قد بدأت وقتها دروس التجويد على يدّ عزّت، "الدكتور اللي من الأزهر"، هكذا كان لقبه. لهذا دقّقت في المدّ، الغنّة، علامات الكسر والرفع والنصب، فلا يختلط المعنى ويخرج عن مراد الله. لكنني كنت أشعر بلذة خفية كلما احتفى بي أحد، ونظر إليّ في إعجاب.

الأمر تحوّل إلى معركة، كنت أركّز لا في الصلاة، بل في الخطأ الذي سيقع فيه أبي، حتى أرفع صوتي بالصواب، فيعيد أبي القراءة، عمّ سعد كان يشير إليّ لأقف بجواره، ويربت على كتفي، بينما تنهرني أمي بالليل، وتقول: "عيب يا أحمد، أبوك بيتضايق، كدة هايقولوا هوّ اللي طفّش الناس من الجامع"، لم أقتنع بكلام أمّي. الناس كانوا لا يطيقون الصلاة الطويلة ، لهذا كانوا يبحثون عن مساجد أو زوايا أخرى تنهي التراويح مبكراً. لم أتبادل مع أبي الحديث في هذا الأمر. سألته ذات ليلة "هي الناس مش بتيجي التراويح ليه يا بابا"، ينظر إليّ ويبتسم، ولا يتكلّم، ويكمل الطريق إلى المسجد بخطىً تراعِ خطاي الصغيرة.

في تلك الليلة، انتظر أبي لحياءه المعتاد أن يشير إليه عمّ سعد، لكنّ الأخير نظر إلى يساره، "اتفضّل يا حاج توفيق". انتهت الصلاة أسرع من المعتاد، وأقبل المصّلون إلى المسجد في الليالي التي تلتها، الحاج توفيق كان سيء القراءة، سيء الصوت، سيء الرائحة، يقرأ الليلة كلّها بسورة البلد وقصار السور، فقدّت التركيز، ولم أقدر على تصويبه لكثرة ما أصاب الآيات من خطأ حتى في أبسط قواعد اللغة، بعد ليلتين، عدنا إلى المنزل، وفي الطريق نظرت إلى أبي الذي أسرع في سيره، لم أتبين ملامح وجهه، وأنا أحاول اللحاق به بصعوبة، نظرت إلى الخلف، كانت يافطة "عباد الرحمن" ، تصغر شيئاً، فشيئاً.




--

كتبها
محمد عمر
مايو - 2013   

الأحد، أبريل 28، 2013

مقابلة شخصية (الجزء الثاني والأخير)ـ

الجزء الأوّل:
https://whitea4.blogspot.com/b/post-preview?token=649TUT4BAAA.fZREqGUsQcuDwuz6v2-QmA.ynwt5hhQOlAQGX1p2u-FBw&postId=8291760610938001251&type=POST


بضعة سنتيمترات ، كان الإصطدام وشيكاً ، وكل ما خططت له كان سيضيع إلى الأبد ، لولا خطوة  واحدة ، فقط ، للخلف ، أنقذت الموقف من نتيجة مروّعة. بادلتها اعتذارا بارداً كمدينة لا تعبأ بساكنيها. أشارت إليّ ، بأنامل عارية تقف وسط شتاء سكندريّ كثيف ، بالانتظار قليلاً.
اقتربتُ من الباب بخطو تمساح أسترالي، الزخارف على الجزء الزجاجي منه كثيفة ، مع النظّارة ، تُشكّل عائقاً بصرياً في اكتشاف العالم الآخر. انفتح الباب بقوة لا تتناسب مع حجمها ، فتسمّرَت من اقترابي كلّ هذا الحدّ. كانت أقصر مني بشِبْر ، فلم تتبيّن شفتي السفلية التي هزتها رياحُ الشمال ، قبل أن تضمها العليا، تربت عليها بحنوّ ، تطمئنها ، تحثها على استكمال النيّة. مالت الفتاة على الباب تدفعه بظهرها وباطن يدها اليمنى مع خطوة للخلف ، وخطوتين ، ثم أشارت باليسرى مع انحناءة خفيفة برأسها للأمام:
-"اتفضّل يا فندم".
-"حدّ يتفضل في بيته برضه ؟ ".

**

المكتب في اتساعه، طوله أكبر من عرضه. على الحائط ، جهة اليسار ، ستُ لوحات تراصت رأسياً ، في صفيّن متباعدين. لكل صفٍ ثلاث لوحات ، وبينهما لوحتان أكبر ، تسكن كل منهما داخل تجويف مستطيل ، واحدةٌ أعلى من الأخرى. جميع اللوحات تحمل نفس الرسمة ؛ مربّعات سوداء اللون ، أطرها رمادية نحيفة ، وآخذة في الانقسام من داخلها إلى المالانهاية. جدار الحائط رماديّ باهت ، أَمْيَلُ إلى الأبيض. تتقاطع خطوط خلفيته على هيئة مربعات كبيرة ، وكلما تقاطع خطّان وضعت نقطة محفورة من أعلاه ، وأخرى من أسفله ، مكوّنة عل امتداد الحائط خطَّيْن متوازيين من النقاط المتراصة أعلى وأسفل الخطوط التي بها رسمت المربعات الكبيرة. الأرضية تحمل نفس تطريز الحائط ، غير أنها لا تحمل نقاط محفورة. استقر فوقها وعلى مقربة من الباب ، مقعدان فسيحان؛ قاعدتهما من زجاج على هيئة حوض سمك. يستقر في أعلاه تكوينٌ منبسط من الجلد المضغوط. أمامهما منضدة زجاجية بعرض المقعدين ، يليها كرسيّ مكتب يقف على عامود معدني يغلّف ثلثه الأوسط تبطينٌ من جلد سميك ، لونه كلون المقعدين. بأسفل العامود اتصال مع الأرجل المعدنية الأربعة، هي رفيعة، تأخذ شكل كفّ مفرودة الأنامل، تستقر فوق أربع عجلات. يطلّ الكرسيّ على مكتب خشبي عريض، تعلوه مجموعة من الملفات والأوراق بطريقة منمقة تؤكّد نمط الرجل الأرستقراطي ، والذي انشغل بجهاز الحاسوب الذي أمامه ، بهدوء مريب. طفى هيكلي النحيف فوق الكرسيّ، وتبادلنا نظرتين خاطفتين ، قبل أن يلتقط نسخة سيرتي الذاتية التي أمامه ، ويتصفحها.

**

-         "إزيك يااه .. صابر"
-         "أنا مش صابر"
-         "أومال حضرتك مين؟"
-         "أنا فريد"
-         "كل اللي بقابلهم بيقولوا كدة"
-         "وامتى تقول إني الشخص المناسب؟"
-         "في حاجات ممكن تبقى مناسبة لحاجات تانية .. بس الحاجات التانية مابتبقاش مناسبة ليها"
-         "والحلّ؟"
-         "انت ماتعرفش الحل؟"
-         "أومال أنا جاي هنا ليه؟".
انكسر زجاج الباب المزخرف على إثر ارتطام كرسيّ المكتب به ، كنت قد ركلته ووقفت أمامه فاتحاً طرفي البذلة، معلناً عن رطلين من المتفجرات احتلت صدري وبطني بالكامل، أشحت بيدي اليمنى لأعلى ممسكاً بزرّ التفجير.

-         "تختار ايه؟"
-         "وايه الخيارات المتاحة"
-         "يا أعيش ، يا ماشتغلش"
-         "ولما تمّوتني، هاتكون حليتها؟"
-         "على الأقل هاريّح الناس اللي برة من أمثالكم"
-         "الناس ديه مكانها برة ، عشان إنت جوّا"
أنهى عبارته الأخيرة، ثم قام من كرسيه، فارتفع المكتب العريض ، المقعدين. اللوحات الستّ تسبح في الفراغ ، الأوراق سبقت الجميع إلى السقف ، طرقٌ قادم اختلج بأصوات بشرية أتت من خارج الباب ، إيقاعه في تسارع ، وعلّو. أنا هنا، وحدي، لماذا أفترش الأرض بهذا الشكل ؟ ، بجواري زجاجة الرائحة ، غطاؤها مُلقى على امتداد بجوار الباب. الباب حديديّ ، زجاجه على هيئة مستطيل تملؤه وحدات مستطيلة أصغر ، متساوية. زعيقٌ اقترب من أذني، أنفاسه حارة ، رائحة العرق العفنة تشجّع على اتضاح الصورة. الوجه الذي يقابلني أكبر من المعتاد ، لا أتبين الملامح المختلطة ، يهزني بقوة ، يلطمني على خدي. جلدي رطب ، أغمض عيني بقوّة ، أغيب لسنة أو سنتين ، ثم أفتحهما على اتساع ، أخيراً .. مكونات الصورة تستقر في أماكنها المنطقية.

**

-         "المهم إنك بخير ، خلّص العصير ، والشركة في العمارة اللي جنبنا"
-         "شكراً على اللي عملته معايا ، أنا خلاص مابقتش عايز أروح هناك"
-         "طب هاتروح فين يا باشمهندس؟"
-         "مش لازم أعرف دلوقتي، بس هاعرف بعدين"
  


تمت.


كتبها: محمد عمر – إبريل 2013

الجمعة، أبريل 19، 2013

مقابلة شخصية (الجزء الأوّل)ـ

ثمانية عشر دوراً، العمارة أربعة وعشرون، وليست كما ظننت، وصعدت، ومعي عامل التوصيل (الديليفري)، تركني في منتصف المسافة، مما أعطى لي فرصة، انفراد، كي أضع بعضاً من العطر، لأتخلّص من خليّة عَرَق، تكونّت سراً أسفل إبطيّ. اتساع أخضر من الذهول، أمام انفتاح باب المصعد. لا أبواب زجاجية، لا أضواء بيضاء مبهرة، لا مشّاية حمراء مفروشة بالطول، لا وجود لعلامة مميّزة تحتلّ أبواب الدور، ربما الدور الأعلى؟، لا، إنه السطح، فكّرت في طرق باب شقة على يمين المصعد، ثم استشعرت سخف الموقف، تخيّلت رجلاً بفانلة حمّلات، كان قد أخذ أجازة من العمل للانفراد بزوجته، والأولاد في المدرسة، يرمقني بنظرة احتقار، أو طالب خمسة ابتدائي، سمين، سخيف، أطال النوم، فغاب عن دوامه اليومي، يلطم وجهي بالباب، على أقل تقدير، سيسّب لأميّ الدين.

نَزَلْت. صوت المصعد أنبأ بسقوط مُحَقّق، هل ينتهي بي الحال في مصعد ليس به مرآة زجاج واحدة توّحد الله، صوتٌ قادم من اللاوجود –لزوم التديّن- "سبحان الذي سخّر لنا هذا .. "، لماذا لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن صوتِ آخر غير هذا، "إن الله جميل يحبّ الجمال"، وليس عِرسة مخنوقة تعاني مغصاً قولونياً فشلت المسكّنات في إلجامه. نهاية بائسة لشاب ثلاثيني لا يجد وظيفة.

وصلت. الدور الأرضي، جثة هامدة غادرت تابوتاً متحركاً للتوّ، انتظرت البوّاب حتى فرغ من ركعة صلاة الظهر الأخيرة، جلسة التشهّد طالت، يحّك رأسه، يغرس إصبعه في أذنه ويحفر، يسرح في المال والعيال، كيف سيتصرّف مع توبيخ صاحب العمارة اليومي، يتثاءب وكأنه سيبتلع الكون، سلّم، أطوى السجّادة.

-         "أؤمر يا بيه"
-         "شركة آي تِك"
-         "المدخل الجاي يا باشمهندس، عمارة 24 ب، هنا 24 أ، الدور التمنتاشر"، إضافة لزوم الجدعنة: "الدور كله بتاعهم".

ليتني لم أصل!.

لمبات بيضاء تراصت على جانبيّ الممر، في منتصف الأرضية مشّائة، حمراء، مفروشة بالطول، انتهت عند يافطة "أكريليك" عليها رمز الشركة، وأسفله شعارهم، "نبدع، نتطّور، نتفّوق". فتاة عشرينية العمر، بالإستقبال، أشارت عليّ بالإنتظار قليلاً. "قهوي زيادة لو سمحت"، هكذا قالوا لي، لا تطلب عصائر، أو نسكافيه، إمّا الشاي أو القهوة، والقهوة تظهرك أكثر احترافاً. تتفحصني النظرات التي ملأت الصالة، بذلات، وجرافاتات، أغلبها أسود اللون، وبعضها رمادّي، القمصان كلها بيضاء، يحملون سيرتهم الذاتية -كما أحمل- في غلاف، بلاستيك، شفّاف، خفيف. أحتسي القهوة، وأمشطهم بعينيّ سريعاً، ثم أراقب ساعة الحائط، لا يجلس أغلب المتقدّمين بالداخل أكثر من عشر دقائق، يبدو أن المتقدّم الأخير مختلف، مرّت عشرين دقيقة ولم يخرج بعد، أحاول السيطرة على مفاصلي التي لم تمّل من كثرة المقابلات، مازال لديها أملٌ في أن أسمع جملة أخرى غير "شكراً لحضورك يا باشمهندس، فرصة سعيدة جداً، لو حضرتك اتقبلت معانا هانبلّغك في خلال أسبوعين".

جاء دوري، متأخراً، بساعة، قالوا لي أيضاً؛ أنهم في المقابلات، يقيسون مدى تحمّلي بأن يتأخروا عن الميعاد المحدّد بساعة أو ساعتين. أذكر أنني مرة، كنت وحدي، متقدماً، ومع هذا، تركوني بالخارج لثلاث ساعات، حتى غفوت، وبدأت أريّل. أيقظني مدير الموارد البشرية، الذي من المفترض أن يجري معي المقابلة، بدوت سخيفاً جداً، لكنّه فاجأني، مخففاً من وطأ الحرج، "تعالى نصّلي المغرب، وبعديها نبتدي"، لم أكن قد صلّيت الظهر والعصر أصلاً، قلت لا يهمّ، سأصليهما لاحقاً. في المقابلة، اهتم بشاشة الكمبيوتر، كأنه وحده بالغرفة، عقد حاجبيه، تحّركت أصابعه بشكل سريع، ضرب على الزر بقوة، كأنه يلقي بقنبلة، غالباًـ في وجه مستقبل الرسالة (الإيميل)، ثم سألني –وهو يتطلّع للشاشة-:
-         "قولي بقى يا باشمهندس إيه هي نقطة ضعفك؟"
استشعرت جبلاً من السخف استقر فوق صدري، مللت تلك الأكلاشيهات، وبدلاً من أجيب بواحدة من الأكلاشيهات التي حفظتها "مش بشتغل كويس على الماكينتوش" ، "الشغل بيأثر على علاقاتي الإجتماعية"، قلت له:
-         " نقطة ضعف مالهاش علاقة بالشغل"
-         "إيه هي؟"
-         "بحب أنام"
-         فالتفت "أيه؟؟؟"
-         مردّداً ببطأ سينمائي، مططت فيه مدّ الألف: "بحب أنام".


تطلّع إلّي في سكون، ذهول، ثم اقتضاب.ـ

-         "طيب ، عامةً لو حضرتك معانا -إن شاء الله- هانكلمك في خلال أسبوعين".
بعدها، عرفت من صديق لي، يعمل بالشركة، أن الوظيفة أصلاً كانت قد تمّ شغرها قبل تقدّمي، لابن صديق ذلك المدير، لكن موظف الموارد البشرية المغّفل، لم يكن يعلم، استمر في إرسال الإعلانات الإلكترونية، فاصطادني. من المؤّكد أنه كان يرسل له رسالة توبيخ، ربما طرد، أثناء جلوسي معه.

(يُتبَع)



كتبها:

محمد عمر
19 إبريل 2013

ShareThis