صفحات المدوّنة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، أبريل 28، 2013

مقابلة شخصية (الجزء الثاني والأخير)ـ

الجزء الأوّل:
https://whitea4.blogspot.com/b/post-preview?token=649TUT4BAAA.fZREqGUsQcuDwuz6v2-QmA.ynwt5hhQOlAQGX1p2u-FBw&postId=8291760610938001251&type=POST


بضعة سنتيمترات ، كان الإصطدام وشيكاً ، وكل ما خططت له كان سيضيع إلى الأبد ، لولا خطوة  واحدة ، فقط ، للخلف ، أنقذت الموقف من نتيجة مروّعة. بادلتها اعتذارا بارداً كمدينة لا تعبأ بساكنيها. أشارت إليّ ، بأنامل عارية تقف وسط شتاء سكندريّ كثيف ، بالانتظار قليلاً.
اقتربتُ من الباب بخطو تمساح أسترالي، الزخارف على الجزء الزجاجي منه كثيفة ، مع النظّارة ، تُشكّل عائقاً بصرياً في اكتشاف العالم الآخر. انفتح الباب بقوة لا تتناسب مع حجمها ، فتسمّرَت من اقترابي كلّ هذا الحدّ. كانت أقصر مني بشِبْر ، فلم تتبيّن شفتي السفلية التي هزتها رياحُ الشمال ، قبل أن تضمها العليا، تربت عليها بحنوّ ، تطمئنها ، تحثها على استكمال النيّة. مالت الفتاة على الباب تدفعه بظهرها وباطن يدها اليمنى مع خطوة للخلف ، وخطوتين ، ثم أشارت باليسرى مع انحناءة خفيفة برأسها للأمام:
-"اتفضّل يا فندم".
-"حدّ يتفضل في بيته برضه ؟ ".

**

المكتب في اتساعه، طوله أكبر من عرضه. على الحائط ، جهة اليسار ، ستُ لوحات تراصت رأسياً ، في صفيّن متباعدين. لكل صفٍ ثلاث لوحات ، وبينهما لوحتان أكبر ، تسكن كل منهما داخل تجويف مستطيل ، واحدةٌ أعلى من الأخرى. جميع اللوحات تحمل نفس الرسمة ؛ مربّعات سوداء اللون ، أطرها رمادية نحيفة ، وآخذة في الانقسام من داخلها إلى المالانهاية. جدار الحائط رماديّ باهت ، أَمْيَلُ إلى الأبيض. تتقاطع خطوط خلفيته على هيئة مربعات كبيرة ، وكلما تقاطع خطّان وضعت نقطة محفورة من أعلاه ، وأخرى من أسفله ، مكوّنة عل امتداد الحائط خطَّيْن متوازيين من النقاط المتراصة أعلى وأسفل الخطوط التي بها رسمت المربعات الكبيرة. الأرضية تحمل نفس تطريز الحائط ، غير أنها لا تحمل نقاط محفورة. استقر فوقها وعلى مقربة من الباب ، مقعدان فسيحان؛ قاعدتهما من زجاج على هيئة حوض سمك. يستقر في أعلاه تكوينٌ منبسط من الجلد المضغوط. أمامهما منضدة زجاجية بعرض المقعدين ، يليها كرسيّ مكتب يقف على عامود معدني يغلّف ثلثه الأوسط تبطينٌ من جلد سميك ، لونه كلون المقعدين. بأسفل العامود اتصال مع الأرجل المعدنية الأربعة، هي رفيعة، تأخذ شكل كفّ مفرودة الأنامل، تستقر فوق أربع عجلات. يطلّ الكرسيّ على مكتب خشبي عريض، تعلوه مجموعة من الملفات والأوراق بطريقة منمقة تؤكّد نمط الرجل الأرستقراطي ، والذي انشغل بجهاز الحاسوب الذي أمامه ، بهدوء مريب. طفى هيكلي النحيف فوق الكرسيّ، وتبادلنا نظرتين خاطفتين ، قبل أن يلتقط نسخة سيرتي الذاتية التي أمامه ، ويتصفحها.

**

-         "إزيك يااه .. صابر"
-         "أنا مش صابر"
-         "أومال حضرتك مين؟"
-         "أنا فريد"
-         "كل اللي بقابلهم بيقولوا كدة"
-         "وامتى تقول إني الشخص المناسب؟"
-         "في حاجات ممكن تبقى مناسبة لحاجات تانية .. بس الحاجات التانية مابتبقاش مناسبة ليها"
-         "والحلّ؟"
-         "انت ماتعرفش الحل؟"
-         "أومال أنا جاي هنا ليه؟".
انكسر زجاج الباب المزخرف على إثر ارتطام كرسيّ المكتب به ، كنت قد ركلته ووقفت أمامه فاتحاً طرفي البذلة، معلناً عن رطلين من المتفجرات احتلت صدري وبطني بالكامل، أشحت بيدي اليمنى لأعلى ممسكاً بزرّ التفجير.

-         "تختار ايه؟"
-         "وايه الخيارات المتاحة"
-         "يا أعيش ، يا ماشتغلش"
-         "ولما تمّوتني، هاتكون حليتها؟"
-         "على الأقل هاريّح الناس اللي برة من أمثالكم"
-         "الناس ديه مكانها برة ، عشان إنت جوّا"
أنهى عبارته الأخيرة، ثم قام من كرسيه، فارتفع المكتب العريض ، المقعدين. اللوحات الستّ تسبح في الفراغ ، الأوراق سبقت الجميع إلى السقف ، طرقٌ قادم اختلج بأصوات بشرية أتت من خارج الباب ، إيقاعه في تسارع ، وعلّو. أنا هنا، وحدي، لماذا أفترش الأرض بهذا الشكل ؟ ، بجواري زجاجة الرائحة ، غطاؤها مُلقى على امتداد بجوار الباب. الباب حديديّ ، زجاجه على هيئة مستطيل تملؤه وحدات مستطيلة أصغر ، متساوية. زعيقٌ اقترب من أذني، أنفاسه حارة ، رائحة العرق العفنة تشجّع على اتضاح الصورة. الوجه الذي يقابلني أكبر من المعتاد ، لا أتبين الملامح المختلطة ، يهزني بقوة ، يلطمني على خدي. جلدي رطب ، أغمض عيني بقوّة ، أغيب لسنة أو سنتين ، ثم أفتحهما على اتساع ، أخيراً .. مكونات الصورة تستقر في أماكنها المنطقية.

**

-         "المهم إنك بخير ، خلّص العصير ، والشركة في العمارة اللي جنبنا"
-         "شكراً على اللي عملته معايا ، أنا خلاص مابقتش عايز أروح هناك"
-         "طب هاتروح فين يا باشمهندس؟"
-         "مش لازم أعرف دلوقتي، بس هاعرف بعدين"
  


تمت.


كتبها: محمد عمر – إبريل 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ShareThis