صفحات المدوّنة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، أكتوبر 03، 2013

دعوة زفاف

-         ما لكِ يا بنتِ؟
-         لا شيء.
-         ماذا تحملين في يدك؟
-         اكتشفي بنفسك.
يرّن جرس الهاتف ..

-         ألو، سلمى، حمداً لله على سلامتك، أيوة يا بنتي أسمعكِ، متى رجعتي؟، فيكي الخير والله .. أنا؟، الحمد لله وأنتِ؟. أتيتي في وقتك .. إيه؟ .. أحكي لك، إسمعي، إسمعي:
"الولّية الهابلة قطعت كل تلك المسافة، وصعدت إحدى عشر دوراً كي تعطيني "دعوة" لحضور زفاف ابنها ثم رحلت. ابنها الصايع ابن الصايع. كان قد تقدّم لخطبتي منذ شهور، اه والله .. أمين، إسمه أمين، لم أحكي لكِ، ما انتي كنتي مسافرة يا بنتي .. لا لم لم أوافق عليه رغم محاولات أمي وخالاتي لقبوله، هم يعلمون جيداً أنني حتى لو قبلته لن تستمر خطبتنا لثلاثة شهور على بعضهم، حكايته وحكاية أمه الحي كله يعرفها. لماذا؟ ، أنا سأقول لكِ: وجهة نظرهم يا ستي أن الخطبة ستفكّ النحس، خطوبة مفسوخة خير من وقف الحال هذا، إثنين وثلاثين عاماً، ولم يتقدّم لي أحد .. طبعاً تفكير متخلف .. وبلد متخلفة .. أنا لست متضايقة مثلهم .. لكنني لن أتحمل هذا الضغط كثيراً .. لماذا لا يلتفتون إلى حياتهم وحياة أخواتي الإثنين .. عندهم مشاكل الدنيا كلها مع أزواجهم وأهالي أزواجهم .. لماذا لا يتركوني في حالي لا أعلم .. المهم نرجع لأم أمين .. "

-         يا سارة
-         ثواني يا أمي، أتكلم مع سلمى ..
"معي يا سلمى، فاضية أم أحكي لكِ في وقت آخر؟ .. هاصدعك لكن اعذريني، أنا مفقوعة! .. أم أمين كانت متزوجة من الحاج أحمد صاحب المخبز أول الحي، مشكلتها معه أنه كان لا يصلي، حاولت أن تنصحه كثيراً لكن بلا فائدة، طلبت الطلاق، طلقها، رجعت لبيت أهلها، أخذت ابنها معها، أشاروا عليها بالشيخ رؤوف، إمام مسجد الرحمن الرحيم، زوجة ثانية، لا يهم، المهم إنه ابن حلال مصفّي، ويصلي، سيحمل من عليها همّ تربية أمين، أمين بقى يا ستي، طلع لأبيه، كانت تناديه كي يصلي معها، فيجيب من داخل غرفته: (الله أكبر)، أربع سنين، وأمين يعمل الطفل الوديع أمام أمه، وفي الشارع حشّاش وصايع. الشارع كله بدأ يتكلم عن صياعة ابن الشيخ رؤوف، والمشايخ ضغطوا عليه، كانوا ثلاثة أيام سواد علينا في البيت لما أم أمين باتت عندنا بعدما الشيخ رؤوف تعارك معها، ورمى عليها يمين طلاق ثلاثة، الأيام دارت ورجعت للحاج أحمد، في يوم نادت على الولد الذي قال (الله أكبر) ثم دخلت الغرفة، فوجدته نائم على السرير ويقول: (الله أكبر، سمع الله لمن حمده ..)، يومها الحي كله سمع صويتها ولطمها، أيقنت إن ابنها صايع ابن صايع، ليلتها أغمي عليها، وباتت في المستوصف، جميعنا قلنا أنها لن تنجو، ولو نجت، فلن يبيت أمين في البيت. ومرت الأيام .. والولد تزداد حالته سوءاً، أنا أعرف ذلك دوناً عن الجميع لأن زميلتي تعمل بالصيدلية التي تجاورنا، وزميلها مظبّط أمين ترامادول، لكنها تتكتم على ما يفعله زميلها حتى لا يطرده صاحب الصيدلية، الدكتور عبد الله، في الحقيقة زميلها وعدها بالزواج، وهي تمنّي نفسها بأي أحد حتى تخلص من أهلها الذين يكبلون حريتها بغباء"

-         يا سارة
-         حاضر يا أمي
-         طيب سلمى، سأذهب الآن وأكلمك بعد قليل، أو كلميني عندما تستريحي من السفر، دعوة الزفاف؟، اه، ما أمه عاشت، وتعايشت، وبحثت له في الحي كله عن عروسة، كنت منهم، إلى أن وجدت له عروسة من بحري، سنكوحة مثله، واتخطبا لستة أشهر، استعجلوا الزواج، والفرح يوم الخميس القادم، وأمه تحسب أنها تغيظني بالدعوة، عالم متخلفة! .. عامةً حمداً لله على سلامتك، سلام.

سارة أسرعت إلى المطبخ، أمام الغرفة، في الطرقة الممتدة، على الأرض، كانت الدعوة. أمسكت بها، تأملت النقش الأصفر قبل أن تقطعها إلى نصفين، والنصفين إلى نصفين، حولتهم إلى كومة من القصاقيص الصغيرة، إثنين وثلاثين قصيصة، كومّتهم داخل يدها وهي تجزّ على أسنانها، كادت أن تكسرهم جميعاً ..

-         سارة

-         أيوة يا أمي، أيوة. 


كتبها:
محمد عمر
أكتوبر 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ShareThis