صفحات المدوّنة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، يناير 05، 2014

سيدي البطرني

تحب أن تراني أزورها وأسلم عليها، كما تحب أن يزروها أبنائها وبناتها كل أسبوع وألا ينقطع عنها أحد، رغم ذلك، تحب ابنها محمد أكثر من أي شيء في الدنيا، ابنها محمد لا يزورها أبداً، فقط يتصل بها في الشهر مرة أو مرتين ويعدها بأن يأتي، لكنه لا يأتي.ـ

-          " الله، ايه ريحة البخور الحلوة ديه يا أمي؟"
-          " ديه بركة سيدي البطرني يابني"

أميل بوجهي ناحية خطيبتي وأسألها (مين سيدي البطرني ده؟)، فتزغر لي بعينها كي لا أسترسل في الكلام، وأنهي هذه الفقرة سريعاً، فقرة الحاجة حسينة، أم الحاجة فاطمة، حماتي. كل أسبوع، ومع زيارتي لخطيبتي، يذهب كلانا لها مع حماتي، نجلس خمس دقائق على الأكثر كي أسلم عليها، ثم نتركها وحماتي ونتمشى قليلاً إلى صخرة كبيرة على شاطيء البحر بين مجموعة من البنايات القديمة. البحر مظلم موحش، لكن الشارع بسيارات النقل الكبيرة التي تمر به، الإنارة البرتقالية التي تأتي من عمدان نور عمرها من عمر أجدادي، والمحلات والورش التي يجلس أصحابها أمامها في كراسي بلاستيك يتناولون الشيشة أو سيرة الناس والبلد تضيف جو ونس فوق الونس الذي يشعر به كلانا مع الآخر في تلك اللحظات الجميلة، التي نترك فيها ظهرنا للعالم كله، ونحدّق في الفراغ، ننظر إلى بعضنا البعض، نبتسم، ثم نعود ونطيل في التحديق، والصمت.ـ

-          "مين سيدي البطرني ده؟"
-          "ده ولي من أولياء الله، كان ليه مقام ف بحري، أيام ماكانت تيتة عايشة هناك"
-          "ولي ايه بس، ومقام ايه، انتي بتصدقي ف الحاجات ديه؟"
-          "لا طبعاً، بس أقولك، ماما حكتلي عن إن المقام ده حتة أرض بين العمارات، أرض واسعة يعني، وعليها باب .."
-          "مش جامع يعني و .."
-          " بطل بتقاطعني .. أكمل الأول .. الأرض الواسعة ديه كان في واحد عايز يهد الباب اللي عليها ده فجاب جرار والناس اتلمت، أم ايه؟ .. ايده اتشلت"
-          "لا والله!"
-          "اه والله، زي ما بقولك كدة، ايده اتشلت، وأهله أصلاً أغنيا يعني، سفروه برة عشان يتعالج ولا أي نتيجة"
-          "امم، طيب م ممكن يكون لأي سبب تاني يعني"
-          "يعني السبب مش لاقي مكان ولا وقت غير عند مقام الراجل! .. المهم .. الناس بقى هللت .. وعملوه من يومها مقام"
-          "وايه حكاية البخور ديه؟"
-          "معرفش، بس تيتة عندها واحة صاحبتها على طول تتصل بيها، وتحكيلها انها شافتها ف المنام وهي قاعدة مع سيدي البطرني، فهي بتحبه وبتتبارك بيه"
-          "وصاحبتها ديه ايه؟"
-          "عادي، واحدة عادية، أبوها كان إمام جامع، بس هي زينا يعني"


الحاجة حسينة –ما شاء الله- ربنا مبارك لها في عمرها، زوجها مات، وإثنين من أولادها ماتوا، وأنا تزوّجت من حفيدتها، ويبدو بهذه الطريقة أنها سترى أولاد أحفادها، وهي صحتها أجمد منّا جميعاً، حتى الحاج أحمد صبيح المؤذن، والذي يقاربها في العمر، مات هو الآخر، الله يرحمه ويحسن إليه، كان كل جمعة يبخّر المسجد الذي أصلّي فيه قبل أن أذهب إلى خطيبتي من الصباح الباكر ويجعل رائحته ترّد الروح، وبعد الصلاة يبخّر شقته، كان مركّب شفّاط كبير في مطبخ الشقة؛ فكان يأخذ البخور وينقله إلى الشقة الملاصقة له. ألف رحمة ونور عليه.ـ



كتبها:ـ
محمد عمر
أكتوبر - 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ShareThis