صفحات المدوّنة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، يناير 05، 2014

فادية


محاولة للنوم، لم يغلبها البرد، ولا الهواجس التي تأتي لأرملة في الرابعة والخمسين تجلس وحدها في شقة إيجار قديم. بل صوت الهاتف المزعج، مضطرة لسماعه، لأنه أولاً قلّما ما يرن، ولأنها ثانياً الرنّة الوحيدة ذات الصوت العالي حيث أستطيع سماعه –قلما- يرّن. نسيته في الصالة، ككل ليلة. أي عاقل سيقول أنني لن أغامر بمغادرة اللحاف، لكنها "أنيسة"، أختي التي تصغرني بعام، أعلم أنها لن تكف عن إعادة الإتصال إن شاء الله لبُكرة الصبح، وكما تقول الحكمة: في البداية يتجاهلونك، بلا بلا بلا ، وفي النهاية تنتصر ..ـ

ـ" ألو .. أيوة يا أنيسة .. عاملة جمعية .. اخلصي عايزة ايه ف البرد ده؟ .. كنت بوّلع نار في الصالة .. كنت بنام طبعاً .. لا يا ستي .. ما خلاص قمت .. ارغي ارغي .. سامعاكي .."ـ

رغي رغي ، ساعة إلا ثلث، قررت تدفئة نفسي أثناء ذلك بالتمشية في أرجاء الشقة، بالصدفة وجدت باب الثلاجة مفتوحاً فأغلقته، باب الحمام بالمرة، يمرّر هواء بارد من المنوَر. حاولت إغلاق فمها بالمرة لكنني لم أفلح، طيّرت النوم من عيني بسبب حكاية اللحاف اللعينة ..ـ

"وانت ايه اللي يخليكي تروحي بيه لأمك؟"

ـ" أهو اللي حصل، قالتلي حلو اللحاف ده يا أنيسة، ورهولي كدة، والنبي حلو، وبيدفي، ماتدهولي يا بنت ده أمك متبهدلة في البرد، السنة ديه شديد أوي، ما تقولي حاجة يا حسنية، واللي تتشك ف بطنها قالت: مايغلاش عليكي يا أما، وقعدت تضحك"ـ

"وماخدتيش تمنه؟"

ـ"تمن مين يا تمن، بدل ما تطلع خمسين جينيه م الفلوس اللي كانزاهم على قلبها، إديتني البطانية القديمة اللي عندها جوا، وأختك تقولها بس البطانية أتقل وأغلى ياما، تغيظني أكتر وتقولها: يلا مش مشكلة، مش هاخد منك فرق"ـ

فطست من الضحك، قلت لها ربنا يعوّض عليكي، ويجعلها في ميزان حسناتك، واشترِ لحاف آخر. انتهت المكالمة، وأي محاولة للنوم الآن بدون إبريق من الكاموميل ستبوء حتماً بفشل محقق .. المهم أني عرفت إن أنيسة لن تشتري لحاف آخر قبل الشتاء القادم، بينما تنعم أمي في دفء جاء إليها بدون تخطيط، رزق، كالمال، والنوم.ـ

"خير يا أمّا ! .. بتكلميني ليه الساعة ديه؟ .. حصل حاجة كفا الله الشر؟ .. أنيسة! .. مالها؟ ..ـ "

ـ"أبداً، أختك جاتلي النهاردة، وكانت شاريه لحاف، ولما بصيت عليه وقولتلها حلو، ينفع ف البرد اللي احنا فيه، قالتلي والله مانتي مرجّعاه، قولتلها لا يا بنتي، انا عندي بطانية أتقل منها، وبعدين اللحاف ده شكله غالي، حسنية أختك قالتلي مايغلاش عليكي يا أما، وبعدين أنيسة هاتاخد البطانية ومش هاتاخد منك فرق، تفتكري تكون زعلت ؟"ـ

ـ"لا ياما، هاتزعل ليه يعني؟، ده حتة لحاف بخمسين جنيه .. ايه اللي عرفت منين؟ .. ااه ، ما هي اللحفة اللي نازلة ف السوق دلوقتي كلها ف الحدود ديه يعني .. أنيسة أكتر واحدة ف بناتك بتحبك، وأكيد فرحانة إنك خدتيه يعني .. ااه .. أكيد .. وأحمد .. بيشتغل وعلى قلبه قد كدة .. وارث البخل عن أمه .. بس مش هايستخسر لحاف ف عياله يعني .. أهو احنا مش عايزين غير الدعوتين دول ياما .. ويرضى عنك .. وإنتي من أهله".ـ


محمد عمر
ديسمبر 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ShareThis